فصل: تابع باب المياه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


تابع باب المياه

مطلب يطهر الحوض بمجرد الجريان

‏(‏قوله‏:‏ بمجرد جريانه‏)‏ أي بأن يدخل من جانب ويخرج من آخر حال دخوله وإن قل الخارج بحر‏.‏ قال ابن الشحنة‏:‏ لأنه صار جاريا حقيقة، وبخروج بعضه رفع الشك في بقاء النجاسة فلا تبقى مع الشك‏.‏ ا هـ‏.‏ وقيل لا يطهر حتى يخرج قدر ما فيه، وقيل ثلاثة أمثاله بحر، فلو خرج بلا دخول كأن ثقب منه ثقب فليس بجار، ولا يلزم أن يكون الحوض ممتلئا في أول وقت الدخول؛ لأنه إذا كان ناقصا فدخله الماء حتى امتلأ وخرج بعضه طهر أيضا كما لو كان ابتداء ممتلئا ماء نجسا كما حققه في الحلية، وذكر فيها أن الخارج من الحوض نجس قبل الحكم عليه بالطهارة‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ هو ظاهر على القولين الأخيرين؛ لأنه قبل خروج المثل أو ثلاثة الأمثال لم يحكم بطهارة الحوض، فيظهر كون الخارج نجسا‏.‏ وأما على القول المختار فقد حكم بالطهارة بمجرد الخروج فيكون الخارج طاهرا تأمل، ثم رأيته في الظهيرية ونصه‏:‏ والصحيح أنه يطهر وإن لم يخرج مثل ما فيه، وإن رفع إنسان من ذلك الماء الذي خرج وتوضأ به جاز ا هـ‏.‏ فلله الحمد، لكن في الظهيرية أيضا حوض نجس امتلأ ماء وفار ماؤه على جوانبه وجف جوانبه لا يطهر، وقيل يطهر ا هـ‏.‏ وفيها‏:‏ ولو امتلأ فتشرب الماء في جوانبه لا يطهر ما لم يخرج الماء من جانب آخر‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة‏:‏ المختار أنه يطهر وإن لم يخرج مثل ما فيه، فلو امتلأ الحوض وخرج من جانب الشط على وجه الجريان حتى بلغ المشجرة يطهر، أما قدر ذراع أو ذراعين فلا ا هـ‏.‏ فليتأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وكذا البئر وحوض الحمام‏)‏ أي يطهران من النجاسة بمجرد الجريان، وكذا ما في حكمه من العرف المتدارك كما مر‏.‏مطلب في إلحاق نحو القصعة بالحوض

‏[‏تنبيه‏]‏

هل يلحق نحو القصعة بالحوض‏؟‏ فإذا كان فيها ماء نجس ثم دخل فيها ماء جار حتى طف من جوانبها هل تطهر هي والماء الذي فيها كالحوض أم لا لعدم الضرورة في غسلها‏؟‏ توقفت فيه مدة، ثم رأيت في خزانة الفتاوى‏:‏ إذا فسد ماء الحوض فأخذ منه بالقصعة وأمسكها تحت الأنبوب فدخل الماء وسال ماء القصعة فتوضأ به لا يجوز‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الظهيرية في مسألة الحوض‏:‏ لو خرج من جانب آخر لا يطهر ما لم يخرج مثل ما فيه ثلاث مرات كالقصعة عند بعضهم‏.‏ والصحيح أنه يطهر وإن لم يخرج مثل ما فيه‏.‏ ا هـ‏.‏ فالظاهر أنما في الخزانة مبني على خلاف الصحيح، يؤيده ما في البدائع بعد حكايته الأقوال الثلاثة في جريان الحوض حيث قال ما نصه‏:‏ وعلى هذا حوض الحمام أو الأواني إذا تنجس‏.‏ ا هـ‏.‏ ومقتضاه أنه على القول الصحيح تطهر الأواني أيضا بمجرد الجريان، وقد علل في البدائع هذا القول بأنه صار ماء جاريا ولم نستيقن ببقاء النجاسة فيه، فاتضح الحكم ولله الحمد‏.‏ وبقي شيء آخر سئلت عنه، وهو أن دلوا تنجس فأفرغ فيه رجل ماء حتى امتلأ وسال من جوانبه هل يطهر بمجرد ذلك أم لا‏؟‏ والذي يظهر لي الطهارة، أخذا مما ذكرناه هنا ومما مر من أنه لا يشترط أن يكون الجريان بمدد، وما يقال إنه لا يعد في العرف جاريا ممنوع لما مر من أنه لو سال دم رجله مع العصير لا ينجس، وكذا ما ذكره الشارح بعده من أنه لو حفر نهرا من حوض صغير أو صب الماء في طرف الميزاب إلخ وكذا ما ذكرناه هناك عن الخزانة والذخيرة من المسائل، فكل هذا اعتبروه جاريا فكذا هنا‏.‏ وأخبرني شيخنا حفظه الله تعالى أن بعض أهل عصره في حلب أفتى بذلك حتى في المائعات وأنهم أنكروا عليه ذلك‏.‏ وأقول‏:‏ مسألة العصير تشهد لما أفتى به، وقد مر أن حكم سائر المائعات كالماء في الأصح‏.‏ فالحاصل أن ذلك له شواهد كثيرة، فمن أنكره وادعى خلافه يحتاج إلى إثبات مدعاه بنقل صريح لا بمجرد أنه لو كان كذلك لذكروه في تطهير المائعات كالزيت ونحوه‏.‏ على أني رأيت بعد ذلك في القهستاني أول فصل النجاسات ما يدل عليه، حيث ذكر أن المائع كالماء والدبس وغيرهما طهارته إما بإجرائه مع جنسه مختلطا به كما روي عن محمد كما في التمرتاشي، وإما بالخلط مع الماء كما إذا جعل الدهن في الخابية ثم صب فيه ماء مثله وحرك ثم ترك حتى يعلو وثقب أسفلها حتى يخرج الماء هكذا يفعل ثلاثا فإنه يطهر كما في الزاهدي إلخ، فهذا صريح بأنه يطهر بالإجراء نظير ما قدمناه عن الخزانة وغيرها، من أنه لو أجرى ماء إناءين أحدهما نجس في الأرض أو صبهما من علو فاختلطا طهرا بمنزلة ماء جار، نعم على ما قدمناه عن الخلاصة من تخصيص الجريان بأن يكون أكثر من ذراع أو ذراعين يتقيد بذلك هنا، لكنه مخالف لإطلاقهم من طهارة الحوض بمجرد الجريان، هذا ما ظهر لفكري السقيم ‏{‏وفوق كل ذي علم عليم‏}‏‏.‏

مطلب في مقدار الذراع وتعيينه

‏(‏قوله‏:‏ والمختار ذراع الكرباس‏)‏ وفي الهداية أن عليه الفتوى واختاره في الدرر والظهيرية والخلاصة والخزانة‏.‏ قال في البحر‏:‏ وفي الخانية وغيرها‏:‏ ذراع المساحة وهو سبع قبضات فوق كل قبضة إصبع قائمة‏.‏ وفي المحيط والكافي أنه يعتبر في كل زمان ومكان ذراعهم‏.‏ قال في النهر‏:‏ وهو الأنسب‏.‏ قلت‏:‏ لكن رده في شرح المنية بأن المقصود من هذا التقدير غلبة الظن بعدم خلوص النجاسة، وذلك لا يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وهو سبع قبضات فقط‏)‏ أي بلا إصبع قائمة، وهذا ما في الولوالجية‏.‏ وفي البحر أن في كثير من الكتب أنه ست قبضات ليس فوق كل قبضة إصبع قائمة فهو أربع وعشرون إصبعا بعدد حروف ‏"‏ لا إله إلا الله محمد رسول الله ‏"‏ والمراد بالإصبع القائمة ارتفاع الإبهام كما في ‏[‏غاية البيان‏]‏ ا هـ‏.‏ والمراد بالقبضة أربع أصابع مضمومة نوح‏.‏ أقول‏:‏ وهو قريب من ذراع اليد؛ لأنه ست قبضات وشيء، وذلك شبران‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فيكون ثمانيا في ثمان‏)‏ كأنه نقل ذلك عن القهستاني ولم يمتحنه، وصوابه‏:‏ فيكون عشرا في ثمان‏.‏ وبيان ذلك أن القبضة أربع أصابع، وإذا كان ذراع زمانهم ثمان قبضات وثلاث أصابع يكون خمسا وثلاثين إصبعا، وإذا ضربت العشر في ثمان بذلك الذراع تبلغ ثمانين فاضربها في خمس وثلاثين تبلغ ألفين وثمانمائة إصبع، وهي مقدار عشر في عشر بذراع الكرباس المقدر بسبع قبضات؛ لأن الذراع حينئذ ثمانية وعشرون إصبعا، والعشر في عشر بمائة، فإذا ضربت ثمانية وعشرين في مائة تبلغ ذلك المقدار‏.‏ وأما على ما قاله الشارح فلا تبلغ ذلك؛ لأنك إذا ضربت ثمانيا في ثمان تبلغ أربعا وستين، فإذا ضربتها في خمس وثلاثين تبلغ ألفين ومائتين وأربعين إصبعا وذلك ثمانون ذراعا بذراع الكرباس والمطلوب مائة فالصواب ما قلناه فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو حكما إلخ‏)‏ تكرار مع قوله ولو له طول لا عرض إلخ ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ عمقها‏)‏ بالفتح وبالضم وبضمتين قعر البئر ونحوها قاموس‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في الأصح‏)‏ ذكره في المجتبى والتمرتاشي والإيضاح والمبتغى، وعزاه في القنية إلى شرح صدر القضاة وجمع التفاريق، وهو متوغل في الإغراب، مخالف لما أطلقه جمهور الأصحاب كما في شرح الوهبانية‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وحينئذ‏)‏ أي إذا اعتبر العمق بلا سعة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بقدر العشر‏)‏ أي بقدر المربع الذي هو عشر في عشر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وحينئذ‏)‏ الأولى حذفه لإغناء ما قبله عنه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فعمق إلخ‏)‏ حاصله أنه إذا كان غدير عشر في عشر عمقه خمس أصابع تقريبا كان ماؤه ثلاثة آلاف إلخ وقدمنا الأقوال في مقدار العمق، وليس فيها قول بتقديره بخمس أصابع‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وثلثمائة‏)‏ في بعض النسخ وثمانمائة، والموافق لما في القهستاني الأول‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ منا‏)‏ قال في القاموس‏:‏ المن كيل أو ميزان أو رطلان كالمنا جمعه أمنان وجمع المنا أمناء‏.‏ والرطل بالفتح ويكسر‏:‏ اثنتا عشرة أوقية، والأوقية أربعون درهما‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فعمق خمس أصابع إلخ‏)‏ الأولى اعتباره بالأربع؛ لأنه المنقول كما قدمناه عن القهستاني؛ ولأنه أسهل، وعليه فيبلغ في المربع ما طوله وعرضه وعمقه ذراعان ونصف ذراع وإصبع وثلث إصبع، وفي المثلث ما طوله وعرضه ثلاثة أذرع وخمسة أسداس ذراع، وعمقه ذراعان ونصف ذراع وإصبع وثلث إصبع، وفي المدور ما قطره وعمقه ذراعان وإحدى وعشرون إصبعا وخمسة أسداس إصبع، ووزن ذلك الماء بالقلل سبع عشرة قلة وثلث خمس قلة، والقلة مائتان وخمسون رطلا بالعراقي كل رطل مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم، وجملة ذلك بالرطل الشامي في زماننا سبعمائة رطل وأحد وستون رطلا وعشر أواق وأحد وخمسون درهما وثلاثة أسباع درهم، كل رطل سبعمائة درهم وعشرون درهما‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ زال طبعه‏)‏ أي وصفه الذي خلقه الله تعالى عليه ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ والإنبات‏)‏ اقتصر الواني عليه لاستلزامه الإرواء دون العكس، فإن الأشربة تروي ولا تنبت والماء الملح طبعه الإنبات إلا أنه عدم منه لعارض كالماء الحار ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بسبب طبخ‏)‏ أي بغيره، فمجرد تسخين الماء بدون خلط لا يسمى طبخا ط عن أبي السعود‏:‏ أي لأن الطبخ هو الإنضاج استواء قاموس‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وماء باقلاء‏)‏ أي فول، وهو مخفف مع المد ومشدد ويخفف مع القصر كما في القاموس ورسم الأول بالألف والثاني بالياء‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إن بقي رقته‏)‏ أما لو صار كالسويق المخلوط فلا لزوال اسم الماء عنه كما قدمناه عن الهداية

مبحث الماء المستعمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو بماء استعمل إلخ‏)‏ اعلم أن الكلام في الماء المستعمل يقع في أربعة مواضع‏:‏ الأول في سببه، وقد أشار إليه بقوله لقربة أو رفع حدث‏.‏ الثاني في وقت ثبوته، وقد أشار إليه بقوله إذا استقر في مكان‏.‏ الثالث في صفته‏:‏ وقد بينها بقوله طاهر‏.‏ الرابع في حكمه، وقد بينه بقوله لا مطهر ا هـ‏.‏ بحر‏.‏

مطلب في تفسير القربة والثواب

‏(‏قوله‏:‏ أي ثواب‏)‏ قدمنا في سنن الوضوء أن القربة فعل ما يثاب عليه بعد معرفة من يتقرب إليه به وإن لم يتوقف على نية كالوقف والعتق‏.‏ في البحر عن شرح النقاية أنها ما تعلق به حكم شرعي وهو استحقاق الثواب ا هـ‏.‏ وفي شرح الأشباه للبيري قال علماؤنا‏:‏ ثواب العملي في الأخرى عبارة عما أوجبه الله للعبد جزاء لعمله، فتفسير الشارح القربة بالثواب من تفسير الشيء بحكمه، وهو شائع في كلامهم كما مر، وهو المتبادر من تعبير المصنف فاللام التعليل‏:‏ أي لأجل نيل قربة، نعم لو قال المصنف في قربة لتعين تفسيرها بالفعل فافهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو مع رفع حدث‏)‏ يشير به وبقوله الآتي ولو مع قربة إلى أن أو في قوله أو رفع حدث مانعة الخلو لا مانعة الجمع؛ لأن القربة ورفع الحدث قد يجتمعان، وقد ينفرد كل منهما عن الآخر كما سيظهر، فبينهما عموم وخصوص وجهي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو من مميز‏)‏ أي إذا توضأ يريد به التطهير كما في الخانية وهو معلوم من سياق الكلام، وظاهره أنه لو لم يرد به ذلك لم يصر مستعملا تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو حائض إلخ‏)‏ قال في النهر‏:‏ قالوا بوضوء الحائض يصير مستعملا؛ لأنه يستحب لها الوضوء لكل فريضة وأن تجلس في مصلاها قدرها كي لا تنسى عادتها، ومقتضى كلامهم اختصاص ذلك بالفريضة، وينبغي أنها لو توضأت لتهجد عادي أو صلاة ضحى وجلست في مصلاها أن يصير مستعملا، ولم أره لهم ا هـ‏.‏ وأقره الرملي وغيره، ووجهه ظاهر فلذا جزم به الشارح، فأطلق العبادة تبعا لجامع الفتاوى فإنه، قال‏:‏ يستحب لها أن تتوضأ في وقت الصلاة وتجلس في مسجدها تسبح وتهلل مقدار أدائها لئلا تزول عادة العبادة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو غسل ميت‏)‏ معطوف على رفع حدث، وكون غسالته مستعملة هو الأصح، وإنما أطلق محمد نجاستها؛ لأنها لا تخلو عن النجاسة غالبا بحر‏.‏ أقول‏:‏ قد يقال إنه مبني على ما هو قول العامة واعتمده في البدائع من أن نجاسة الميت نجاسة خبث؛ لأنه حيوان دموي لا نجاسة حدث، وعليه فلا حاجة إلى تأويل كلام محمد وسنوضحه في أول فصل البئر، ويجوز عطفه على مميز أي ولو من أجل غسل ميت؛ لأنه يندب الوضوء من غسل الميت كما مر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بنية السنة‏)‏ قيد به في البحر أخذا من قول المحيط؛ لأنه أقام به قربة لأنه سنة‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في النهر‏:‏ وعليه فينبغي اشتراطه في كل سنة كغسل الفم والأنف ونحوهما، وفي ذلك تردد‏.‏ ا هـ‏.‏ قال الرملي‏:‏ ولا تردد فيه، حتى لو لم يكن جنبا وقصد بغسل الفم والأنف ونحوهما مجرد التنظيف لا إقامة القربة لا يصير مستعملا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو لأجل رفع حدث‏)‏ مفاد اللام أنه قصد رفع الحدث فيكون قربة أيضا مع أن المراد ما هو أعم كما أفاده الشارح بقوله ولو مع قربة، فكان الأولى أن يقول أو في رفع حدث تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ كوضوء محدث‏)‏ فإنه إن كان منويا اجتمع فيه الأمران، وإلا كما لو كان للتبرد فرفع الحدث فقط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ولو للتبرد‏)‏ قيل فيه خلاف محمد بناء على أنه لا يستعمل عنده إلا بإقامة القربة أخذا من قوله فيما لو انغمس في البئر لطلب الدلو بأن الماء طهور‏.‏ قال السرخسي‏:‏ والصحيح عنده استعماله بإزالة الحدث إلا للضرورة كمسألة البئر، وتمامه في البحر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فلو توضأ متوضئ إلخ‏)‏ محترز قول المصنف لأجل قربة أو رفع حدث، لكن أورد أن تعليم الوضوء قربة فينبغي أن يصير الماء مستعملا‏.‏ وأجاب في البحر وتبعه في النهر وغيره بأن التوضؤ نفسه ليس قربة بل تعليم وهو أمر خارج عنه ولذا يحصل بالقول‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو لطين‏)‏ أي ونحوه كوسخ لعدم إزالة الحدث وإقامة القربة، وكذا لو وصلت شعر آدمي بذؤابتها فغسلته لم يصر مستعملا؛ لأنه لم يبق له حكم البدن، بخلاف ما لو غسل رأس مقتول قد بان منه وتمامه في البحر‏.‏ ‏[‏فائدة‏]‏

قال سيدي عبد الغني‏:‏ الظاهر أن المحدث تكفيه غسلة واحدة عن الطين ونحوه وعن الحدث بخلاف النجاسة كما قدمناه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بلا نية قربة‏)‏ بأن أراد الزيادة على الوضوء الأول، وفيه اختلاف المشايخ‏.‏ أما لو أراد بها ابتداء الوضوء صار مستعملا بدائع‏:‏ أي إذا كان بعد الفراغ من الوضوء الأول وإلا كان بدعة كما مر في محله، فلا يصير الماء مستعملا، وهذا أيضا إذا اختلف المجلس وإلا فلا؛ لأنه مكروه بحر، لكن قدمنا أن المكروه تكراره في مجلس مرارا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ نحو فخذ‏)‏ أي مما ليس من أعضاء الوضوء وهو محدث لا جنب، وقيل يصير مستعملا بناء على القول بحلول الحدث الأصغر بكل البدن وغسل الأعضاء رافع عن الكل تخفيفا والراجح خلافه أفاده في النهر، وأفاد سيدي عبد الغني أن الظاهر أن المراد بأعضاء الوضوء ما يشمل المسنونة مع نية فعل السنة تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو ثوب طاهر‏)‏ أي ونحوه من الجامدات كالقدور والقصاع والثمار قهستاني‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو دابة تؤكل‏)‏ كذا في البحر عن المبتغى‏.‏ قال سيدي عبد الغني‏:‏ وتقييده بالمأكولة فيه نظر؛ لأن غيرها كذلك لا تنجس الماء ولا تسلب طهوريته كالحمار والفأرة وسباع البهائم التي لم يصل الماء إلى فمها ا هـ‏.‏ وذكر الرحمتي نحوه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو لأجل إسقاط فرض‏)‏ فيه ما في قوله أو لأجل رفع حدث، وهذا سبب ثالث للاستعمال زاده في الفتح أخذا من مسألة الجب المذكورة، ومن تعليلها المنقول عن الإمام بسقوط الفرض؛ لأنه ليس بقربة لعدم النية ولا رفع حدث لعدم تجزيه كما يأتي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ هو الأصل في الاستعمال‏)‏ أي هو الأصل الذي بني عليه الحكم بتدنس الماء‏.‏ قال في الفتح‏:‏ لأن المعلوم من جهة الشارع أن الآلة التي تسقط الفرض وتقام بها القربة تتدنس كمال الزكاة تدنس بإسقاط الفرض حتى جعل من الأوساخ، ثم قال بعده‏:‏ والذي نعقله أن كلا من التقرب والإسقاط مؤثر في التغير، ألا ترى أنه انفرد وصف التقرب في صدقة التطوع وأثر التغير حتى حرمت على النبي صلى الله عليه وسلم فعرفنا أن كلا أثر تغيرا شرعيا‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ ومقتضاه أن القربة أصل أيضا، بخلاف رفع الحدث؛ لأنه لا يتحقق إلا في ضمن القربة أو إسقاط الفرض أو في ضمنهما فكان فرعا، وبهذا ظهر أنه يستغنى بهما عنه، فيكون المؤثر في الاستعمال الأصلين فقط فيقال‏:‏ هو ما استعمل في قربة سواء كان معها رفع حدث أو إسقاط فرض، أو لا ولا، أو في إسقاط فرض سواء كان معه قربة أو رفع حدث، أو لا ولا، هذا ما ظهر لي من فيض الفتاح العليم فاغتنمه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بأن يغسل‏)‏ أي المحدث أو الجنب بعض أعضائه‏:‏ أي التي يجب غسلها احترازا عن غسل المحدث نحو الفخذ كما مر‏.‏ ثم الظاهر أنه أراد الغسل بنية رفع الحدث ليغاير قوله أو يدخل يده إلخ‏.‏ قال في البزازية‏:‏ وإن أدخل الكف للغسل فسد تأمل، ثم في الخلاصة وغيرها إن كان إصبعا أو أكثر دون الكف لا يضر‏.‏ قال في الفتح‏:‏ ولا يخلو من حاجته إلى تأمل وجهه‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ في حب‏)‏ بالمهملة‏:‏ الجرة، أو الضخمة منها قاموس‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لغير اغتراف‏)‏ بل للتبرد أو غسل يده من طين أو عجين، فلو قصد الاغتراف ونحوه كاستخراج كوز لم يصر مستعملا للضرورة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فإن يصر مستعملا‏)‏ المراد أن ما اتصل بالعضو وانفصل عنه مستعمل على ما مر ويأتي‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لسقوط الفرض‏)‏ أي فلا يلزمه إعادة غسل ذلك العضو عند غسل بقية الأعضاء، وهذا التعليل منقول عن الإمام كما مر، فلا يقال إن العلة زوال الحدث زوالا موقوفا كذا في البحر، على أن الأصل التعليل بما هو الأصل، وقد علمت أن زوال الحدث فرع‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وإن لم يزل إلخ‏)‏ كان الأولى إسقاط إن وزيادة أنه لم توجد نية القربة كما فعل في البحر، ليكون بيانا لوجه زيادة هذا السبب الثالث، وأنه لا يغني عنه ما قبله من السببين كما قدمناه، وما في النهر من أنه إنما تتم زيادته بتقدير أن إسقاط الفرض لا ثواب فيه وإلا كان قربة اعترضه ط بأن إسقاط الفرض لا يتوقف على النية ولا ثواب بدونها، فكيف يمكن أن يكون قربة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ جنابته‏)‏ أي جنابة العضو المغسول في صورة الحدث الأكبر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ما لم يتم‏)‏ أي ما لم يغسل بقية الأعضاء‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ على المعتمد‏)‏ قال الشيخ قاسم في حواشي المجمع‏:‏ الحدث يقال بمعنيين‏:‏ بمعنى المانعية الشرعية عما لا يحل بدون الطهارة، وهذا لا يتجزأ بلا خلاف عند أبي حنيفة وصاحبيه، وبمعنى النجاسة الحكمية، وهذا يتجزأ ثبوتا وارتفاعا بلا خلاف أيضا وصيرورة الماء مستعملا بإزالة الثانية‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ والظاهر أنه أراد يتجزأ الثاني ثبوتا كما في الحدث الأصغر بالنسبة للأكبر فإنه يحل بعض أعضاء البدن، وفي عدم تجزؤ الأول بلا خلاف نظر لما قدمه الشارح من الخلاف في جواز القراءة ومس المصحف بعد غسل الفم واليد تأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وينبغي أن يزاد أو سنة‏)‏ فيه أن السنة لا تقام إلا بنيتها فيدخل في قوله لأجل قربة، وإن قصد بغسل نحو الفم والأنف مجرد التنظيف لم يصر مستعملا كما مر عن الرملي فلم توجد السنة، ثم رأيته في حاشية ح، ثم قال‏:‏ وكأنه إلى هذا أشار بقوله فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وقيل إذا استقر‏)‏ أي بشرط أن يستقر في مكان من أرض أو كف أو ثوب ويسكن عن التحرك، وحذفه؛ لأنه أراد بالاستقرار التام منه وهذا قول طائفة من مشايخ بلخ واختاره فخر الإسلام وغيره‏.‏ وفي الخلاصة وغيرها أنه المختار إلا أن العامة على الأول وهو الأصح، وأثر الخلاف يظهر فيما لو انفصل فسقط على إنسان فأجراه عليه صح على الثاني لا الأول نهر‏.‏ قلت‏:‏ وقد مر أن أعضاء الغسل كعضو واحد، فلو انفصل منه فسقط على عضو آخر من أعضاء المغتسل فأجراه عليه صح على القولين‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ورجح للحرج‏)‏ لأنه لو قيل باستعماله بالانفصال فقط لتنجس ثوب المتوضئ على القول بنجاسة الماء المستعمل، وفيه حرج عظيم كما في غاية البيان‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ عفو اتفاقا‏)‏ أي لا مؤاخذة فيه حتى عند القائل بالنجاسة للضرورة كما في البدائع وغيرها‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وهو طاهر إلخ‏)‏ رواه محمد عن الإمام وهذه الرواية هي المشهورة عنه، واختارها المحققون، قالوا عليها الفتوى، لا فرق في ذلك بين الجنب والمحدث‏.‏ واستثنى الجنب في التجنيس إلا أن الإطلاق أولى وعنه التخفيف والتغليظ، ومشايخ العراق نفوا الخلاف وقالوا إنه طاهر عند الكل‏.‏ وقد قال المجتبى‏:‏ صحت الرواية عن الكل أنه طاهر غير طهور، فالاشتغال بتوجيه التغليظ والتخفيف مما لا جدوى له نهر، وقد أطال في البحر في توجيه هذه الروايات، ورجح القول بالنجاسة من جهة الدليل لقوته‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وهو الظاهر‏)‏ كذا في الذخيرة أي ظاهر الرواية، وممن صرح بأن رواية الطهارة ظاهر الرواية وعليها الفتوى في الكافي والمصفى كما في شرح الشيخ إسماعيل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ لكن إلخ‏)‏ دفع لما قد يتوهم من عدم كراهة شربه على رواية الطهارة، ومثل الشرب التوضؤ في المسجد من غير ما أعد له‏.‏ وفي البحر عن الخانية‏:‏ لو توضأ في إناء في المسجد جاز عندهم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وعلى‏)‏ متعلق بيكره محذوفا معطوف على يكره المذكور‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ تحريما‏)‏ قال في البحر‏:‏ ولا يخفى أن الكراهة على رواية الطهارة، أما على رواية النجاسة فحرام ‏{‏ويحرم عليهم الخبائث‏}‏ والنجس منها‏.‏ ا هـ‏.‏ وأجاب الشارح تبعا للنهر وأقره النهر بحمل الكراهة على التحريمية؛ لأن المطلق منها ينصرف إليها قلت‏:‏ ويؤيده أن نجاسة المستعمل على القول بها غير قطعية؛ ولذا عبروا بالكراهة في لحم الحمار ونحوه‏.‏

‏[‏فرع‏]‏

الماء إذا وقعت فيه نجاسة فإن تغير وصفه لم يجز الانتفاع به بحال كبل الطين وسقي الدواب بحر عن الخلاصة‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ليس بطهور‏)‏ أي ليس بمطهر‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ على الراجح‏)‏ مرتبط بقوله بل لخبث‏:‏ أي نجاسة حقيقية، فإنه يجوز إزالتها بغير الماء المطلق من المائعات خلافا لمحمد

مطلب مسألة البئر

جحط‏:‏ ‏(‏قوله فرع إلخ‏)‏ هذا ما عبر عنه في الكنز وغيره بقوله ومسألة البئر ‏"‏ جحط ‏"‏ فأشار بالجيم إلى ما قال الإمام إن الرجل والماء نجسان، وبالحاء إلى ما قال الثاني إنهما بحالهما، وبالطاء إلى ما قال الثالث من طهارتهما، ثم اختلف التصحيح في نجاسة الرجل على الأول، فقيل للجنابة فلا يقرأ القرآن، وقيل لنجاسة الماء المستعمل فيقرأ إذا غسل فاه واستظهره في الخانية‏.‏ قلت‏:‏ ومبنى الأول على تنجس الماء لسقوط فرض الغسل عن بعض الأعضاء بأول الملاقاة قبل تمام الانغماس، والثاني على أنه بعد الخروج من الجنابة كما يفيده ما في البحر عن الخانية وشروح الهداية، وينبغي على الأول أن تكون النجاسة نجاسة الماء أيضا لا الجنابة فقط تأمل، ومبنى قول الثاني على اشتراط الصب في الخروج من الجنابة في غير الماء الجاري وما في حكمه، ومبنى قول الثالث على عدم اشتراطه ولم يصر الماء مستعملا للضرورة، كذا قرره في البحر وغيره ‏(‏قوله في محدث‏)‏ أي حدثا أصغر أو أكبر جنابة أو حيضا أو نفاسا بعد انقطاعهما، أما قبل الانقطاع وليس على أعضائهما نجاسة فهما كالطاهر إذا انغمس للتبرد لعدم خروجها من الحيض، فلا يصير الماء مستعملا بحر عن الخانية والخلاصة، وتمامه في ح ‏(‏قوله في بئر‏)‏ أي دون عشر في عشر ‏"‏ ح ‏"‏ أي وليست جارية ‏(‏قوله لدلو‏)‏ أي لاستخراجه، وقيد به؛ لأنه لو كان للاغتسال صار مستعملا اتفاقا قال في النهر‏:‏ أي بين الإمام، والثالث لما مر من اشتراط الصب على قول الثاني‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكره في البحر بحثا‏.‏ أقول‏:‏ والظاهر أن اشتراط الصب على قول الثاني عند عدم النية لقيامه مقامها كما يدل عليه ما يأتي من تصريحه بقيام التدليك مقامها فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله أو تبرد‏)‏ تبع في ذكره صاحب البحر والنهر، بناء على ما قيل إنه عند محمد لا يصير الماء مستعملا إلا بنية القربة، وقدمنا أن ذلك خلاف الصحيح عنده وأن عدم الاستعمال في مسألة البئر عنده هي الضرورة ولا ضرورة في التبرد فلذا اقتصر في الهداية على قوله لطلب الدلو ‏(‏قوله مستنجيا بالماء‏)‏ قيد به؛ لأنه لو كان بالأحجار تنجس كل الماء اتفاقا كما في البزازية نهر‏.‏ قلت‏:‏ وفي دعوى الاتفاق نظر، فقد نقل في التتارخانية اختلاف التصحيح في التنجس وعدمه‏:‏ أي بناء على أن الحجر مخفف أو مطهر ورجح في الفتح الثاني، نعم الذي في أكثر الكتب ترجيح الأول كما أفاده في تنوير البصائر، وتمام الكلام عليه سيأتي في فصل الاستنجاء - إن شاء الله تعالى -‏.‏ ‏(‏قوله ولا نجس عليه‏)‏ عطف عام على خاص، فلو كان على بدنه أو ثوبه نجاسة تنجس الماء اتفاقا ‏(‏قوله ولم ينو‏)‏ أي الاغتسال، فلو نواه صار مستعملا بالاتفاق إلا في قول زفر سراج، وهذا مؤيد لما قدمناه من أنه عند الثاني مستعمل أيضا، والمراد أنه لم ينو بعد انغماسه في الماء فلا ينافي قوله لدلو أفاده ط ‏(‏قوله ولم يتدلك‏)‏ كذا في المحيط والخلاصة، وظاهره أنه لو نزل للدلو وتدلك في الماء صار مستعملا اتفاقا؛ لأن التدلك فعل منه قائم مقام النية فصار كما لو نزل للاغتسال بحر ونهر فتنبه، وقيده في شرح المنية الصغير بما إذا لم يكن تدلكه لإزالة الوسخ ‏(‏قوله والأصح إلخ‏)‏ هذا القول غير الأقوال الثلاثة المارة المرموز إليها ‏"‏ بجحط ‏"‏ ذكره في الهداية رواية عن الإمام‏.‏ قال في البحر‏:‏ وعن أبي حنيفة إن الرجل طاهر؛ لأن الماء لا يعطى له حكم الاستعمال قبل الانفصال من العضو‏.‏ قال الزيلعي والهندي وغيرهما تبعا لصاحب الهداية‏:‏ وهذه الرواية أوفق الروايات أي للقياس‏.‏ وفي فتح القدير وشرح المجمع أنها الرواية المصححة، ثم قال في البحر‏:‏ فعلم أن المذهب المختار في هذه المسألة أن الرجل طاهر والماء طاهر غير طهور؛ أما كون الرجل طاهرا فقد علمت تصحيحه، وأما كون الماء المستعمل كذلك على الصحيح فقد علمته أيضا مما قدمناه ا هـ‏.‏ ومثله في الحلية، وبه علم أن هذا ليس قول محمد؛ لأن عنده لا يصير الماء مستعملا للضرورة كما مر‏.‏ وأما الإمام فلم يعتبر الضرورة هنا بل حكم باستعماله لسقوط الفرض كما تقدم تقريره، ولو اعتبر الضرورة لم يصح الخلاف المرموز له، نعم ذكر في البحر عن الجرجاني أنه أنكر الخلاف إذ لا نص فيه وأنه لا يصير مستعملا كما لو اغترف الماء بكفه للضرورة بلا خلاف‏.‏ أقول‏:‏ وهو خلاف المشهور في كتب المذهب من إثبات الخلاف ومن أن الذي اعتبر الضرورة هو محمد فقط وكأن غيره لم يعتبر هنا لندرة الاحتياج إلى الانغماس، بخلاف الاحتياج إلى الاغتراف باليد فافهم ‏(‏قوله والمراد إلخ‏)‏ صرح به في الحلية والبحر والنهر، ورده العلامة المقدسي في شرح نظم الكنز بأنه تأويل بعيد جدا، وقوله على ما مر‏:‏ أي من أنه لا فرق بين الملقي والملاقي، وهذه مسألة الفساقي، وقد علمت ما فيها من المعترك العظيم بين العلماء المتأخرين‏.‏

مطلب في أحكام الدباغة

‏(‏قوله وكل إهاب إلخ‏)‏ الإهاب‏:‏ بالكسر اسم للجلد قبل أن يدبغ من مأكول أو غيره جمعه أهب بضمتين ككتاب وكتب، فإذا دبغ سمي أديما وصرما وجرابا كما في النهاية، وإنما ذكر المصنف الدباغة في بحث المياه وإن كان المناسب ذكرها في تطهير النجاسات استطراد، إما لصلوح الإهاب بعد دبغه أن يكون وعاء للمياه كما في النهر وغيره، وإليه أشار الشارح بقوله ويتوضأ منه، أو؛ لأن الدبغ مطهر في الجملة كما في القهستاني، أو؛ لأنه في قوة قولنا يجوز الوضوء بما وقع فيه إهاب دبغ كما نقل عن حواشي عصام ‏(‏قوله ومثله المثانة والكرش‏)‏ المثانة موضع البول، والكرش‏:‏ بالكسر وككتف لكل مجتر بمنزلة المعدة للإنسان قاموس، ومثله الأمعاء‏.‏ وفي البحر عن التجنيس‏:‏ أصلح أمعاء شاة ميتة فصلى وهي معه جاز؛ لأنه يتخذ منها الأوتار وهو كالدباغ‏.‏ وكذلك لو دبغ المثانة فجعل فيها لبن جاز، وكذلك الكرش إن كان يقدر على إصلاحه‏.‏ وقال أبو يوسف في الإملاء إنه لا يطهر؛ لأنه كاللحم‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله فالأولى وما دبغ‏)‏ أي حيث كان الحكم غير قاصر على الإهاب، فالأولى الإتيان ‏"‏ بما ‏"‏ الدالة على العموم ط ‏(‏قوله دبغ‏)‏ الدباغ ما يمنع النتن والفساد‏.‏ والذي يمنع على نوعين‏:‏ حقيقي كالقرظ والشب والعفص ونحوه‏.‏ وحكمي كالتتريب والتشميس والإلقاء في الريح، ولو جف ولم يستحل لم يطهر زيلعي‏:‏ والقرظ بالظاء المعجمة لا بالضاد‏:‏ ورق شجر السلم بفتحتين‏.‏ والشب بالباء الموحدة وقيل بالثاء المثلثة، وذكر الأزهري أنه تصحيف، وهو نبت طيب الرائحة مر الطعم يدبغ به، أفاده في البحر ‏(‏قوله ولو بشمس‏)‏ أي ونحوه من الدباغ الحكمي، وأشار به إلى خلاف الإمام الشافعي وإلى أنه لا فرق بين نوعي الدباغة في سائر الأحكام‏.‏ قال البحر إلا في حكم واحد، وهو أنه لو أصابه الماء بعد الدباغ الحقيقي لا يعود نجسا باتفاق الروايات، وبعد الحكمي فيه روايتان‏.‏ ا هـ‏.‏ والأصح عدم العود قهستاني عن المضمرات، وقيد الخلاف في مختارات النوازل بما إذا دبغ بالحكمي قبل الغسل بالماء قال‏:‏ فلو بعده لا تعود نجاسته اتفاقا ‏(‏قوله هو يحتملها‏)‏ أي الدباغة المأخوذة من دبغ‏.‏ وأفاد في البحر أنه لا حاجة إلى هذا القيد؛ لأن قوله وكل إهاب لا يتناول ما لا يحتمل الدباغة كما صرح به في الفتح‏.‏ ‏(‏قوله طهر‏)‏ بضم الهاء والفتح أفصح حموي ‏(‏قوله فيصلي به إلخ‏)‏ أفاد طهارة ظاهره وباطنه لإطلاق الأحاديث الصحيحة خلافا لمالك، لكن إذا كان جلد حيوان ميت مأكول اللحم لا يجوز أكله، وهو الصحيح‏:‏ «حرمت عليكم الميتة‏}‏ وهذا الجزء منها‏.‏ وقال عليه الصلاة والسلام في شاة ميمونة رضي الله عنها ‏{‏إنما يحرم من الميتة أكلها‏}‏ مع أمره لهم بالدباغ والانتفاع، أما إذا كان جلد ما لا يؤكل فإنه لا يجوز أكله إجماعا؛ لأن الدباغ فيه ليس بأقوى من الذكاة، وذكاته لا تبيحه فكذا دباغه بحر عن السراج‏.‏ ‏(‏قوله وعليه‏)‏ أي وبناء على ما ذكر من أن ما لا يحتمل الدباغة لا يطهر ‏(‏قوله جلد حية صغيرة‏)‏ أي لها دم، أما ما لا دم لها فهي طاهرة، لما تقدم أنها لو وقعت في الماء لا تفسده أفاده ح ‏(‏قوله أما قميصها‏)‏ أي الحية كما في البحر عن السراج، وظاهره ولو كبيرة‏.‏ قال الرحمتي‏:‏ لأنه لا تحله الحياة، فهو كالشعر والعظم ‏(‏قوله وفأرة‏)‏ بالهمزة وتبدل ألفا ‏(‏قوله بذكاة‏)‏ بالذال المعجمة‏:‏ أي ذبح قوله لتقيدهما‏)‏ أي الذكاة والدباغ بما يحتمله أي يحتمل الدباغ، وكان الأولى إفراد الضمير ليعود على الذكاة فقط؛ لأن تقيد الدباغ بذلك مصرح به قبله‏.‏ وعبارة البحر عن التجنيس‏:‏ لأن الذكاة إنما تقام مقام الدباغ فيما يحتمله‏.‏ وفي أبي السعود عن خط الشرنبلالي‏:‏ الذي يظهر لي الفرق بين الذكاة والدباغة لخروج الدم المسفوح بالذكاة وإن كان الجلد لا يحتمل الدباغة‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكن أكثر الكتب على عدم الفرق كما يأتي ‏(‏قوله خلا جلد خنزير إلخ‏)‏ قيل‏:‏ إن جلد الآدمي كجلد الخنزير في عدم الطهارة بالدبغ لعدم القابلية؛ لأن لهما جلودا مترادفة بعضها فوق بعض فالاستثناء منقطع‏.‏ وقيل‏:‏ إن جلد الآدمي إذا دبغ طهر، لكن لا يجوز الانتفاع به كسائر أجزائه، كما نص عليه في الغاية، وحينئذ فلا يصح الاستثناء‏.‏ وأجيب بأن معنى طهر جاز استعماله والعلاقة السببية والمسببية لا اللزوم كما قيل، إذ لا يلزم من الطهارة جواز الانتفاع كما علمته، لكن علة عدم الانتفاع بهما مختلفة، ففي الخنزير لعدم الطهارة، وفي الآدمي لكرامته كما أشار إليه الشارح‏.‏ قال في النهر‏:‏ وهذا مع ما فيه من العدول عن المعنى الحقيقي أولى‏.‏ ا هـ‏.‏ أي لموافقته المنقول في المذهب وإلى اختياره أشار الشارح بقوله ولو دبغ طهر، قال ط‏:‏ وإنما قدر جلد؛ لأن الكلام فيه لا في كل الماهية ‏(‏قوله فلا يطهر‏)‏ أي؛ لأنه نجس العين، بمعنى أن ذاته بجميع أجزائه نجسة حيا وميتا، فليست نجاسته لما فيه من الدم كنجاسة غيره من الحيوانات، فلذا لم يقبل التطهير في ظاهر الرواية عن أصحابنا إلا في رواية عن أبي يوسف ذكرها في المنية ‏(‏قوله وقدم إلخ‏)‏ لما كانت البداءة بالشيء وتقديمه على غيره تفيد الاهتمام بشأنه وشرفه على ما بعده، بين أن ذلك في غير مقام الإهانة، أما فيه فالأشرف يؤخر كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لهدمت صوامع‏}‏ الآية؛ لأن الهدم إهانة فقدمت صوامع الصابئة أو الرهبان وبيع النصارى وصلوات اليهود أي كنائسهم، وأخرت مساجد المسلمين لشرفها‏.‏ وهنا الحكم بعدم الطهارة إهانة كذا قيل‏.‏ أقول‏:‏ وإنما تظهر هذه النكتة على أن الاستثناء من الطهارة لا من جواز الاستعمال الثابت للمستثنى منه فإن عدمه الثابت للمستثنى ليس بإهانة ‏(‏قوله وإن حرم استعماله‏)‏ أي استعمال جلده أو استعمال الآدمي بمعنى أجزائه وبه يظهر التفريع بعده ‏(‏قوله احتراما‏)‏ أي لا نجاسة ‏(‏قوله وأفاد كلامه‏)‏ حيث لم يستثن من مطلق الإهاب سوى الخنزير والآدمي ‏(‏قوله وهو المعتمد‏)‏ أما في الكلب فبناء على أنه ليس بنجس العين، وهو أصح التصحيحين كما يأتي‏.‏‏:‏ وأما في الفيل فكذلك كما هو قولهما، وهو الأصح خلافا لمحمد، فقد روى البيهقي ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم كان يمتشط بمشط من عاج ‏"‏ وفسره الجوهري وغيره بعظم الفيل‏.‏ قال في الحلية‏:‏ وخطئ الخطابي في تفسيره له بالذبل‏.‏ ا هـ‏.‏ والذبل بالذال المعجمة‏:‏ جلد السلحفاة البحرية أو البرية أو عظام ظهر دابة بحرية قاموس‏.‏ وفي الفتح‏:‏ هذا الحديث يبطل قول محمد بنجاسة عين الفيل‏.‏

‏(‏قوله بدباغ‏)‏ بدل من الضمير المجرور بإعادة الجار فلا يطهر بذكاة ما لا يطهر بالدباغ مما لا يحتمله كما مر، فلو صلى ومعه جلد حية مذبوحة أكثر من قدر الدرهم لا تجوز صلاته كما في المحيط والخانية والولوالجية‏.‏ وما في الخلاصة من أن الحية والفأرة وكل ما لا يكون سؤره نجسا لو صلى بلحمه مذبوحا تجوز مشكل كما في الفتح وتمامه في الحلية‏.‏ قلت‏:‏ وعليه فلو صلى ومعه ترياق فيه لحم حية مذبوحة لا تجوز صلاته لو أكثر من درهم، وصرح في الوهبانية بأنه لا يؤكل، وهو ظاهر فتنبه‏.‏ وخرج الخنزير فإنه لا يطهر بالدباغ كما مر، فلا يطهر بالذكاة كما في المنية الظاهر أن الآدمي كذلك وإن قلنا بطهارة جلده بالدباغ، فلو ذبح ولم تثبت له الشهادة ثم وقع في ماء قليل قبل تغسيله أفسده ولم أر من صرح به، نعم رأيت في صيد غرر الأفكار أن الذكاة لا تعمل في الخنزير والآدمي كما لا تعمل الدباغة في جلدهما تأمل‏.‏ ‏(‏قوله على المذهب‏)‏ أي ظاهر المذهب كما في البدائع بحر لحديث‏:‏ «لا تنتفعوا من الميتة بإهاب» رواه أصحاب السنن، والإهاب ما لم يدبغ‏.‏ فيدل توقف الانتفاع قبل الدبغ على عدم كونها ميتة‏:‏ أي والذكاة ليست إماتة أفاده في شرح المنية، وقيل‏:‏ إنما يطهر جلده بالذكاة إذا لم يكن سؤره نجسا ‏(‏قوله لا يطهر لحمه‏)‏ أي لحم الحيوان ذي الإهاب، فالضمير عائد إلى ‏"‏ ما ‏"‏ على تقدير مضاف أو بدونه والإضافة لأدنى مناسبة تأمل ‏(‏قوله هذا أصح ما يفتى به‏)‏ أفاد أن مقابله مصحح أيضا، فقد صححه في الهداية والتحفة والبدائع، ومشى عليه المصنف في الذبائح كالكنز والدرر، والأول مختار شراح الهداية وغيرهم‏.‏ وفي المعراج أنه قول المحققين، وما ذكره الشارح عبارة مواهب الرحمن‏.‏ وقال في شرحه المسمى بالبرهان بعد كلام‏:‏ فجاز أن تعتبر الذكاة مطهرة لجلده للاحتياج إليه للصلاة فيه وعليه، ولدفع الحر والبرد وستر العورة بلبسه دون لحمه لعدم حل أكله المقصود من طهارته، وتمامه في حاشية نوح‏.‏ والحاصل أن ذكاة الحيوان مطهرة لجلده ولحمه إن كان الحيوان مأكولا، وإلا فإن كان نجس العين فلا تطهر شيئا منه، وإلا فإن كان جلده لا يحتمل الدباغة فكذلك؛ لأن جلده حينئذ يكون بمنزلة اللحم، وإلا فيطهر جلده فقط، والآدمي كالخنزير فيما ذكر تعظيما له ‏(‏قوله من الأهل‏)‏ هو أن يكون الذابح مسلما حلالا خارج الحرم أو كتابيا ‏(‏قوله في المحل‏)‏ أي فيما بين اللبة واللحيين، وهذه الذكاة الاختيارية‏.‏ والظاهر أن مثلها الضرورية في أي موضع اتفق حلية، وإليه يشير كلام القنية قهستاني ‏(‏قوله بالتسمية‏)‏ أي حقيقة أو حكما بأن تركها ناسيا ‏(‏قوله والأول أظهر‏)‏ وهو المذكور في كثير من الكتب بحر ‏(‏قوله؛ لأن ذبح المجوسي‏)‏ أي ومن في معناه ممن لم يكن أهلا كالوثني والمرتد والمحرم ‏(‏قوله كلا ذبح‏)‏ لحكم الشرع بأنه ميتة فيما يؤكل ‏(‏قوله وإن صحح الثاني‏)‏ يوهم أن الأول لم يصحح مع أنه في القنية نقل تصحيح القولين فكان الأولى أن يزيد أيضا ‏(‏قوله وأقره في البحر‏)‏ حيث ذكر أنه في المعراج نقل عن المجتبى والقنية تصحيح الثاني، ثم قال وصاحب القنية هو صاحب المجتبى، وهو الإمام الزاهدي المشهور علمه وفقهه، ويدل على أن هذا هو الأصح‏:‏ أن صاحب النهاية ذكر هذا الشرط‏:‏ أي كون الذكاة شرعية بصيغة قيل معزيا إلى الخانية‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله كسنجاب‏)‏ بالكسر‏:‏ أي جلده ‏(‏قوله فنجس‏)‏ أي فلا تجوز الصلاة فيه ما لم يغسل منية ‏(‏قوله فغسله أفضل‏)‏؛ لأن الأخذ بما هو الوثيقة في موضع الشك أفضل إذا لم يؤد إلى الحرج، ومن هنا قالوا لا بأس بلبس ثياب أهل الذمة والصلاة فيها، إلا الإزار والسراويل فإنه تكره الصلاة فيها لقربها من موضع الحدث وتجوز؛ لأن الأصل الطهارة، وللتوارث بين المسلمين في الصلاة بثياب الغنائم قبل الغسل، وتمامه في الحلية‏.‏ ونقل في القنية أن الجلود التي تدبغ في بلدنا ولا يغسل مذبحها، ولا تتوقى النجاسات في دبغها ويلقونها على الأرض النجسة ولا يغسلونها بعد تمام الدبغ فهي طاهرة يجوز اتخاذ الخفاف والمكاعب وغلاف الكتب والمشط والقراب والدلاء رطبا ويابسا‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ ولا يخفى أن هذا عند الشك وعدم العلم بنجاستها‏.‏

‏(‏قوله وشعر الميتة إلخ‏)‏ مع ما عطف عليه خبره قوله الآتي طاهر لما مر من حديث الصحيحين، من قوله عليه الصلاة والسلام في شاة ميمونة ‏{‏إنما حرم أكلها» وفي رواية «لحمها‏}‏ فدل على أن ما عدا اللحم لا يحرم فدخلت الأجزاء المذكورة، وفيها أحاديث أخر صريحة في البحر وغيره، ولأن المعهود فيها قبل الموت الطهارة فكذا بعده؛ لأنه لا يحلها‏.‏ وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏من يحيي العظام‏}‏ الآية، فجوابه مع تعريف الموت بأنه وجودي أو عدمي‏.‏ أطال فيه صاحب البحر فراجعه، وذكر ذلك في بحث المياه لإفادة أنه إذا وقع فيها لا ينجسها‏.‏ وفي القهستاني‏:‏ الميتة ما زالت روحه بلا تذكية ‏(‏قوله على المذهب‏)‏ أي على قول أبي يوسف الذي هو ظاهر الرواية أن شعره نجس وصححه في البدائع ورجحه في الاختيار‏.‏ فلو صلى ومعه منه أكثر من قدر الدرهم لا تجوز، ولو وقع في ماء قليل نجسه، وعند محمد لا ينجسه أفاده في البحر‏.‏ وذكر في الدرر أنه عند محمد طاهر لضرورة استعماله أي للخرازين‏.‏ قال العلامة المقدسي‏:‏ وفي زماننا استغنوا عنه أي فلا يجوز استعماله لزوال الضرورة الباعثة للحكم بالطهارة نوح أفندي ‏(‏قوله على المشهور‏)‏ أي من طهارة العصب كما جزم به في الوقاية والدرر وغيرهما، بل ذكر في البدائع وتبعه في الفتح أنه لا خلاف فيه، لكن تعقبه في البحر بأنه في غاية البيان ذكر فيه روايتين إحداهما أنه طاهر؛ لأنه عظم، والأخرى أنه نجس؛ لأن فيه حياة، والحس يقع به وصحح في السراج الثانية‏.‏ ‏(‏قوله الخالية عن الدسومة‏)‏ قيد للجميع كما في القهستاني، فخرج الشعر المنتوف وما بعده إذا كان فيه دسومة ‏(‏قوله وكذا كل ما لا تحله الحياة‏)‏ وهو ما لا يتألم الحيوان بقطعه كالريش والمنقار والظلف ‏(‏قوله حتى الإنفحة‏)‏ بكسر الهمزة وقد تشدد الحاء وقد تكسر الفاء‏.‏ والمنفحة والبنفحة‏:‏ شيء واحد يستخرج من بطن الجدي الراضع أصفر فيعصر في صوفة فيغلظ كالجبن، فإذا أكل الجدي فهو كرش، وتفسير الجوهري الإنفحة بالكرش سهو قاموس بالحرف فافهم‏.‏ ‏(‏قوله على الراجح‏)‏ أي الذي هو قول الإمام، ولم أر من صرح بترجيحه، ولعله أخذه من تقديم صاحب الملتقى له وتأخيره قولهما كما هو عادته فيما يرجحه‏.‏ وعبارته مع الشرح‏:‏ وإنفحة الميتة ولو مائعة ولبنها طاهر كالمذكاة خلافا لهما لتنجسهما بنجاسة المحل‏.‏ قلنا نجاسته لا تؤثر في حال الحياة إذ اللبن الخارج من بين فرث ودم طاهر فكذا بعد الموت‏.‏ ا هـ‏.‏ ثم اعلم أن الضمير في قول الملتقى ولبنها عائد على الميتة، والمراد به اللبن الذي في ضرعها، وليس عائدا على الإنفحة كما فهم المحشي حيث فسرها بالجلدة، وعزا إلى الملتقى طهارتها؛ لأن قول الشارح ولو مائعة صريح بأن المراد بالإنفحة اللبن الذي في الجلدة، وهو الموافق لما مر عن القاموس، وقوله لتنجسها إلخ صريح في أن جلدتها نجسة، وبه صرح في الحلية حيث قال بعد التعليل المار‏:‏ وقد عرف من هذا أن نفس الوعاء نجس بالاتفاق‏.‏ ا هـ‏.‏ ولدفع هذا الوهم غير العبارة في مواهب الرحمن فقال‏:‏ وكذا لبن الميتة وإنفحتها ونجساها وهو الأظهر إلا أن تكون جامدة فتطهر بالغسل‏.‏ ا هـ‏.‏ وأفاد ترجيح قولهما وأنه لا خلاف في اللبن على خلاف ما في الملتقى والشرح فافهم‏.‏

‏(‏قوله وشعر الإنسان‏)‏ المراد به ما أبين منه حيا وإلا فطهارة ما على الإنسان مستغنية عن البيان وطهارة الميت مدرجة في بيان الميتة كذا نقل عن حواشي عصام، والأولى إسقاط حيا‏.‏ وعن محمد في نجاسة شعر الآدمي وظفره وعظمه روايتان والصحيح الطهارة سراج ‏(‏قوله غير المنتوف‏)‏ أما المنتوف فنجس بحر، والمراد رءوسه التي فيها الدسومة‏.‏ أقول‏:‏ وعليه فما يبقى بين أسنان المشط ينجس الماء القليل إذا بل فيه وقت التسريح، لكن يؤخذ من المسألة الآتية كما قال ط أن ما خرج من الجلد مع الشعر إن لم يبلغ مقدار الظفر لا يفسد الماء تأمل ‏(‏قوله مطلقا‏)‏ أي سواء كان سنه أو سن غيره من حي أو ميت قدر الدرهم أو أكثر حمله معه أو أثبته مكانه كما يعلم من الحلية والبحر ‏(‏قوله على المذهب‏)‏ قال في البحر‏:‏ المصرح به في البدائع والكافي وغيرهما أن سن الآدمي طاهرة على ظاهر المذهب وهو الصحيح؛ لأنه لا دم فيها، والمنجس هو الدم بدائع وما في الذخيرة وغيرها من أنها نجسة ضعيف‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ففي البدائع نجسة‏)‏ فإنه قال‏:‏ ما أبين من الحي إن كان جزءا فيه دم كاليد والأذن والأنف ونحوها فهو نجس بالإجماع، وإلا كالشعر والظفر فطاهر عندنا‏.‏ ا هـ‏.‏ ملخصا ‏(‏قوله وفي الخانية لا‏)‏ حيث قال‏:‏ صلى وأذنه في كمه أو أعادها إلى مكانها تجوز صلاته في ظاهر الرواية‏.‏ ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ وعلله في التجنيس بأن ما ليس بلحم لا يحله الموت فلا يتنجس بالموت أي والقطع في حكم الموت‏.‏ واستشكله في البحر بما مر عن البدائع‏.‏ وقال في الحلية‏:‏ لا شك أنها مما تحلها الحياة ولا تعرى عن اللحم، فلذا أخذ الفقيه أبو الليث بالنجاسة وأقره جماعة من المتأخرين‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي شرح المقدسي قلت‏:‏ والجواب عن الإشكال أن إعادة الأذن وثباتها إنما يكون غالبا بعود الحياة إليها فلا يصدق أنها مما أبين من الحي؛ لأنها بعود الحياة إليها صارت كأنها لم تبن، ولو فرضنا شخصا مات ثم أعيدت حياته معجزة أو كرامة لعاد طاهرا‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ إن عادت الحياة إليها فهو مسلم، لكن يبقى الإشكال لو صلى وهي في كمه مثلا‏.‏ والأحسن ما أشار إليه الشارح من الجواب بقوله وفي الأشباه إلخ وبه صرح في السراج فما في الخانية من جواز صلاته ولو الأذن في كمه لطهارتها في حقه؛ لأنها أذنه فلا ينافي ما في البدائع بعد تقييده بما في الأشباه ‏(‏قوله المنفصل من الحي‏)‏ أي مما تحله الحياة كما مر، والمراد الحي حقيقة وحكما احترازا عن الحي بعد الذبح كما سيأتي بيانه آخر كتاب الذبائح، إن شاء الله تعالى‏.‏ وفي الحلية عن سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه وغيرها وحسنه الترمذي ‏{‏ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت‏}‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ويفسد الماء‏)‏ أي القليل ‏(‏قوله من جلده‏)‏ أي أو لحمه مختارات النوازل‏.‏ زاد في البحر عن الخلاصة وغيرها‏:‏ أو قشره وإن كان قليلا مثل ما يتناثر من شقوق الرجل ونحوه لا يفسد الماء ‏(‏قوله لا بالظفر‏)‏ أي؛ لأنه عصب بحر‏.‏ وظاهر أنه لو كان فيه دسومة فحكمها كالجلد واللحم تأمل ‏(‏قوله ودم سمك طاهر‏)‏ أولى من قول الكنز إنه معفو عنه؛ لأنه ليس بدم حقيقة بدليل أنه يبيض في الشمس والدم يسود بها زيلعي‏.‏

‏(‏قوله ليس الكلب بنجس العين‏)‏ بل نجاسته بنجاسة لحمه ودمه، ولا يظهر حكمها وهو حي ما دامت في معدنها كنجاسة باطن المصلي فهو كغيره من الحيوانات ‏(‏قوله وعليه الفتوى‏)‏ وهو الصحيح والأقرب إلى الصواب بدائع وهو ظاهر المتون بحر‏.‏ ومقتضى عموم الأدلة فتح ‏(‏قوله فيباع إلخ‏)‏ هذه الفروع بعضها ذكرت أحكامها في الكتب هكذا وبعضها بالعكس، والتوفيق بالتخريج على القولين كما بسطه في البحر، وما في الخانية من تقييد البيع بالمعلم فالظاهر أنه على القول الثاني، بدليل أنه ذكر أنه يجوز بيع السنور وسباع الوحش والطير معلما كان أو لا‏.‏ تأمل‏.‏ ‏(‏قوله ويؤجر‏)‏ الظاهر تقييده بالمعلم ولو لحراثة لوقوع الإجارة على المنافع، ولذا عقبه في عمدة المفتي بقوله‏:‏ والسنور لا يجوز؛ لأنه لا يعلم ‏(‏قوله ويضمن‏)‏ أي لو أتلفه إنسان ضمن قيمته لصاحبه ‏(‏قوله ولا الثوب بانتفاضه‏)‏ وما في الولوالجية وغيرها إذا خرج الكلب من الماء وانتفض فأصاب ثوب إنسان أفسده لا لو أصابه ماء المطر؛ لأن المبتل في الأول جلده وهو نجس وفي الثاني شعره وهو طاهر‏.‏ ا هـ‏.‏ فهو على القول بنجاسة عينه كما في البحر ويأتي تمامه قريبا ‏(‏قوله ولا بعضه‏)‏ أي عض الكلب الثوب ‏(‏قوله ما لم ير ريقه‏)‏ فالمعتبر رؤية البلة وهو المختار نهر عن الصيرفية، وعلامتها ابتلال يده بأخذه، وقيل لو عض في الرضا نجسه؛ لأنه يأخذ بشفته الرطبة لا في الغضب لأخذه بأسنانه ‏(‏قوله ولا صلاة حامله إلخ‏)‏ قال في البدائع‏:‏ قال مشايخنا‏:‏ من صلى وفي كمه جرو تجوز صلاته، وقيده الفقيه أبو جعفر الهندواني بكونه مشدود الفم‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المحيط‏:‏ صلى ومعه جرو كلب أو ما لا يجوز الوضوء بسؤره قيل لم يجز والأصح أنه إن كان فمه مفتوحا لم يجز؛ لأن لعابه يسيل في كمه فينجس لو أكثر من قدر الدرهم ولو مشدودا بحيث لا يصل لعابه إلى ثوبه جاز؛ لأن ظاهر كل حيوان طاهر لا يتنجس إلا بالموت، ونجاسة باطنه في معدته فلا يظهر حكمها كنجاسة باطن المصلي‏.‏ ا هـ‏.‏ والأشبه إطلاق الجواز عند أمن سيلان القدر المانع قبل الفراغ من الصلاة كما هو ظاهر ما في البدائع حلية‏.‏ وأشار الشارح بقوله ولو كبيرا إلى أن التقييد بالجرو لصحة التصوير بكونه في كمه كما في النهر وشرح المقدسي، لا لما ظنه في البحر من أن الكبير مأواه النجاسات فلا تصح صلاة حامله، فإنه يرد عليه كما قال المقدسي أن الصغير كذلك‏.‏ ثم الظاهر أن التقييد بالحمل في الكم مثلا لإخراج ما لو جلس الكلب على المصلي فإنه لا يتقيد بربط فمه، لما صرح به في الظهيرية من أنه لو جلس على حجره صبي ثوبه نجس وهو يستمسك بنفسه أو وقف على رأسه حمام نجس جازت صلاته‏.‏ ا هـ‏.‏ تأمل ‏(‏قوله وشرط الحلواني‏)‏ صوابه الهندواني كما مر، وهو الموجود في البحر والنهر وغيرهما‏.‏ ‏(‏قوله ولا خلاف في نجاسة لحمه‏)‏ ولذا اتفقوا على نجاسة سؤره المتولد من لحمه؛ فمعنى القول بطهارة عينه طهارة ذاته مادام حيا، وطهارة جلده بالدباغ والذكاة، وطهارة ما لا تحله الحياة من أجزائه كغيره من السباع ‏(‏قوله وطهارة شعره‏)‏ أخذه في البحر من المسألة المارة آنفا عن الولوالجية فإنها مبنية على القول بنجاسة عينه، وقد صرح فيها بطهارة شعره‏.‏ ومما في السراج أن جلد الكلب نجس وشعره طاهر هو المختار‏.‏ ا هـ‏.‏؛ لأن نجاسة جلده‏.‏ مبنية على نجاسة عينه، فقد اتفق القول بنجاسة عينه، والقول بعدمها على طهارة شعره‏.‏ ويفهم من عبارة السراج أن القائلين بنجاسة عينه اختلفوا في طهارة شعره والمختار الطهارة وعليه يبتنى ذكر الاتفاق، لكن هذا مشكل؛ لأن نجاسة عينه تقتضي نجاسة جميع أجزائه، ولعل ما في السراج محمول على ما إذا كان ميتا لكن ينافيه ما مر عن الولوالجية، نعم قال في المنح‏:‏ وفي ظاهر الرواية أطلق ولم يفصل‏:‏ أي أنه لو انتفض من الماء فأصاب ثوب إنسان أفسده سواء كان البلل وصل إلى جلده أو لا، وهذا يقتضي نجاسة شعره فتأمل‏.‏

مطلب في المسك والزباد والعنبر

‏(‏قوله طاهر حلال‏)‏؛ لأنه وإن كان دما فقد تغير فيصير طاهرا كرماد العذرة خانية، والمراد بالتغير الاستحالة إلى الطيبة وهي من المطهرات عندنا، وزاد قوله حلال؛ لأنه لا يلزم من الطهارة الحل كما في التراب منح‏:‏ أي فإن التراب طاهر ولا يحل أكله‏.‏ قال في الحلية‏:‏ وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إن المسك أطيب الطيب» كما رواه مسلم، وحكى النووي إجماع المسلمين على طهارته وجواز بيعه ‏(‏قوله فيؤكل بكل حال‏)‏ أي في الأطعمة والأدوية لضرورة أو لا‏.‏ وفي القاموس أنه مقو للقلب، مشجع للسوداوين، نافع للخفقان والرياح الغليظة في الأمعاء والسموم والسدد باهي ‏(‏قوله وكذا نافجته‏)‏ بكسر الفاء وفتح الجيم‏:‏ وهي جلدة يجمع فيها المسك معرب نافه‏.‏ ا هـ‏.‏ شيخ إسماعيل عن بعض الشروح، لكن قال في المنح فاؤها مفتوحة في أكثر كتب اللغة ‏(‏قوله مطلقا‏)‏ أي من غير فرق بين رطبها ويابسها، وبين ما انفصل من المذبوحة وغيرها، وبين كونها بحال لو أصابها الماء فسدت أو لا‏.‏ ا هـ‏.‏ إسماعيل عن مفتاح السعادة، وبه ظهر أن ما في الدرر من أنها لو كانت رطبة من غير المذبوحة ليست بطاهرة على خلاف الأصح‏.‏ ‏(‏قوله فتح‏)‏ وكذا في الزيلعي وصدر الشريعة والبحر ‏(‏قوله وكذا الزباد أشباه‏)‏ أي في قاعدة‏:‏ المشقة تجلب التيسير، وكذا العنبر كما في الدر المنتقى، وذكر في الفتح والحلية طهارة الزباد بحثا ولم يجد فيه نقلا، لكن في شرح الأشباه للعلامة البيري قال في خزانة الروايات ناقلا عن جواهر الفتاوى‏:‏ الزباد طاهر‏.‏ ولا يقال إنه عرق الهرة وإنه مكروه؛ لأنه وإن كان عرقا إلا أنه تغير وصار طاهرا بلا كراهة‏.‏ وفي شرح المواهب‏:‏ سمعت جماعة من الثقات من أهل الخبرة بهذا يقولون‏:‏ إنه عرق سنور، فعلى هذا يكون طاهرا‏.‏ وفي المنهاجية من مختصر المسائل‏:‏ المسك طاهر؛ لأنه وإن كان دما لكنه تغير، وكذا الزباد طاهر، وكذا العنبر‏.‏ وفي ألغاز ابن الشحنة، قيل‏:‏ إن المسك والعنبر ليسا بطاهرين؛ لأن المسك من دابة حية، والعنبر خرء دابة في البحر، وهذا القول لا يعول عليه ولا يلتفت إليه كما صرح به قاضي خان‏.‏ وأما العنبر فالصحيح أنه عين في البحر بمنزلة القير وكلاهما طاهر من أطيب الطيب‏.‏ ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ وفي تحفة ابن حجر‏:‏ وليس العنبر روثا خلافا لمن زعمه، بل هو نبات في البحر‏.‏ ا هـ‏.‏ وللعلامة البيري رسالة سماها ‏[‏السؤال والمراد في جواز استعمال المسك والعنبر والزباد‏]‏‏.‏

‏(‏قوله وطهره محمد‏)‏ أي لحديث العرنيين الذين رخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشربوا من أبوال الإبل لسقم أصابهم، وعليه فلا يفسد الماء ما لم يغلب عليه فيخرجه عن الطهورية، والمتون على قولهما، ولذا قال في الإمداد‏:‏ والفتوى على قولهما ‏(‏قوله لا للتداوي ولا لغيره‏)‏ بيان للتعميم في قوله أصلا ‏(‏قوله عند أبي حنيفة‏)‏ وأما عند أبي يوسف فإنه وإن وافقه على أنه نجس لحديث‏:‏ «استنزهوا من البول‏}‏ إلا أنه أجاز شربه للتداوي لحديث العرنيين‏.‏ وعند محمد يجوز مطلقا‏.‏ وأجاب الإمام عن حديث العرنيين بأنه عليه الصلاة والسلام عرف شفاءهم به وحيا ولم يتيقن شفاء غيرهم؛ لأن المرجع فيه الأطباء وقولهم ليس بحجة، حتى لو تعين الحرام مدفعا للهلاك يحل كالميتة والخمر عند الضرورة، وتمامه في البحر‏.‏

مطلب في التداوي بالمحرم

‏(‏قوله اختلف في التداوي بالمحرم‏)‏ ففي النهاية عن الذخيرة يجوز إن علم فيه شفاء ولم يعلم دواء آخر‏.‏ وفي الخانية في معنى قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم» كما رواه البخاري أن ما فيه شفاء لا بأس به كما يحل الخمر للعطشان في الضرورة، وكذا اختاره صاحب الهداية في التجنيس فقال‏:‏ لو رعف فكتب الفاتحة بالدم على جبهته وأنفه جاز للاستشفاء، وبالبول أيضا إن علم فيه شفاء لا بأس به، لكن لم ينقل وهذا؛ لأن الحرمة ساقطة عند الاستشفاء كحل الخمر والميتة للعطشان والجائع‏.‏ ا هـ‏.‏ من البحر‏.‏ وأفاد سيدي عبد الغني أنه لا يظهر الاختلاف في كلامهم لاتفاقهم على الجواز للضرورة، واشتراط صاحب النهاية العلم لا ينافيه اشتراط من بعده الشفاء ولذا قال والدي في شرح الدرر‏:‏ إن قوله لا للتداوي محمول على المظنون وإلا فجوازه باليقيني اتفاق كما صرح به في المصفى‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ وهو ظاهر موافق لما مر في الاستدلال، لقول الإمام‏:‏ لكن قد علمت أن قول الأطباء لا يحصل به العلم‏.‏ والظاهر أن التجربة يحصل بها غلبة الظن دون اليقين إلا أن يريدوا بالعلم غلبة الظن وهو شائع في كلامهم تأمل ‏(‏قوله وظاهر المذهب المنع‏)‏ محمول على المظنون كما علمته ‏(‏قوله لكن نقل المصنف إلخ‏)‏ مفعول نقل قوله وقيل يرخص إلخ والاستدراك على إطلاق المنع، وإذا قيد بالمظنون فلا استدراك‏.‏ ونص ما في الحاوي القدسي‏:‏ إذا سال الدم من أنف إنسان ولا ينقطع حتى يخشى عليه الموت وقد علم أنه لو كتب فاتحة الكتاب أو الإخلاص بذلك الدم على جبهته ينقطع فلا يرخص له فيه؛ وقيل يرخص كما رخص في شرب الخمر للعطشان وأكل الميتة في المخمصة وهو الفتوى‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ولم يعلم دواء آخر‏)‏ هذا المصرح به في عبارة النهاية كما مر وليس في عبارة الحاوي، إلا أنه يفاد من قوله كما رخص إلخ؛ لأن حل الخمر والميتة حيث لم يوجد ما يقوم مقامهما أفاده ط‏.‏ قال‏:‏ ونقل الحموي أن لحم الخنزير لا يجوز التداوي به وإن تعين، والله تعالى أعلم‏.‏